عند دراسة بلاغة القرآن لا بد من منهجٍ وافٍ يسلكه الدارس ليصل إلى مراده أو يقارب، ويقوم على استيفاء النظر حسب ما تقرر عند البلاغيين مع مراعاة خصوصية الوحي وخطر القول فيه بلا علم ومراعاة أقوال السلف وإجماعهم وغير ذلك، لتُبنى الدراسة على أساسٍ متينٍ تُستوفى فيه جوانب النظر البلاغي، وليتحقق التعاضد والتكامل بين العلوم، لا التخالف والتنازع. ولأجل ذلك كان هذا البحث الذي بعنوان: (منهج دراسة بلاغة السورة)، حاولت فيه أن أضع علامات وصُوى يترسَّمها دارس بلاغة القرآن ليبلغَ مبتغاه بتوفيق الله وعونه، ويكون له بعد ذلك فضل تطبيقه ومعالجته. وقد قسمته إلى مبحثين: الأول: في (أسس المنهج)، وهو يتناول الأسس والقواعد والضوابط التي ينطلق منها المنهج في دراسة هذا المجال من النظم القرآني، وقد اشتمل على ثمانية أسس وهي: خصوصية القرآن، وترتيب آياته، ومعرفة معانيه بالمنهج الصحيح، ومراعاة السياق الداخلي والخارجي، وطلب مقصد السورة، ثم ختمت الأسس بأصلين مهمين: أحدهما في بيان حدود علم البلاغة، والآخر في بيان أنَّ علم البلاغة الصناعي راسمٌ لأصول البلاغة وكبرى مسائلها وليس محيطًا بــها. وأما المبحث الآخر فهو في (الإجراءات وطرائق التحليل)، وهو يتناول الأدوات والطرق الإجرائية التي يتبعها المنهج في الدراسة، وقد انتظم خمسةً منها وهي: دراسة السورة وفق نظمها، وتحديد موضوعها وتقسيمه حسب المعاني، ثم تحليل المفردات والنظر في دلالات التراكيب، مع ملاحظة ما تتميز به السورة من ظواهر متكررة أو فرائد، وفي سبيل إبراز البلاغة القرآنية تُطرح البدائل التي يحتملها السياق لإظهار فضل التعبير القرآني. وقد جاء التنبيه في خاتمة البحث على أن المقصود بهذا المنهج الأصول التي لا ينبغي الإخلال بها عند دراسة بلاغة السورة، وأما الإضافة إليها وطريقة تناولها وترتيب مباحثها فذلك أمرٌ متاحٌ لكل باحثٍ حسب ما يراه.