البلاغة المقارنة آلية مواجهة الغزو الثقافي والحفاظ على الهوية

في هذه الدراسة أتناول موضوع البلاغة المقارنة بالتأصيل والنقد، مقررا أنها تختص بدراسة النظرية البلاغية العربية أو باب من أبوابها أو أحد مناهجها ومقارنتها بالنظريات الغربية القديمة أو الحديثة، أو المقارنة بين نص عربي وآخر أجنبي يتفق معه في الموضوع العام، وأن تتسم هذه المقارنات بالمعايير العامة التي ستبذل الدراسة جهدها في تحبيرها، بغرض تحديد أوجه الاتفاق أو الاختلاف بينهما، وما يمكن أن يفاد منه في الارتقاء بالدرس البلاغي المعاصر، وما يرفض رفضا قاطعا لما بينه وبين تراثنا من تعارض وتناطح. مشيرا إلى ما تعرضت له ثقافة الأمة بصفة عامة والثقافة البلاغية العربية الإسلامية بصفة خاصة من اللمز والغمز، ثم الجور والظلم باتهامها تارة بالقصور، وتارة بالجمود، حتى وصل الأمر إلى اتهامها بالموت، ولا يبقى واجب تجاهها إلا أن نصلي عليها أربعا، ثم نحملها إلى مقبرتها التي لا رجوع لها منها ولا خروج، واستبدالها بنظريات أخرى نابعة من بيئة غير بيئتنا، وبلاغات منشأها ثقافة غير ثقافتنا، ولم أر قوما يملكون ذهبا فيبيعونه بطين ممزوج بماء آسن.    وكانت النتيجة أن تكدست دراسات بذلت فيها جهود، ودفعت فيها أموال، ولم تقدم إلا دراسات هجينة، وبحوثا مقطوعة وممنوعة، زادت العقل العربي والإسلامي ضعفا وهونا، ولو صرفت هذه الأوقات وتلك الأموال في دراسات تراثية تكشف ما خفي في الدراسات الأولى المنشئة لعلوم البلاغة، وتفصيل مجملها، والبحث عن خبيئاتها، لقدمت للأمة خيرا، ولملئت صحائفهم أجرا. وقد بدأت دراستي بتناول مفهوم الغزو الفكري والثقافي وأسلحته ومناهجه ومؤسساته وذلك لصلته الشديدة بموضوع الدراسة ولكونه تمهيدا لا غنى عنه في سياق البحث، ومن ثم بنيت دراستي على مقدمة ومبحثين: المبحث الأول: البلاغة والغزو الفكري والثقافي. المبحث الثاني: البلاغة المقارنة: النظرية والتطبيق. ثم خاتمة بأهم ثمرات هذه الدراسة ونتائجها، وقائمة بالمصادر والمراجع.